مجزوءة الوضع البشري: الشخص بين الضرورة و الحرية
يعد الانسان من أرقى الكائنات الحية و أكثرها قدرة على التطور و التكيف مع
مختلف الاكراهات التي تواجهه، و هذا التميز الذي يحضى به الانسان يرجع بالأساس الى
ملكة العقل أو خاصية التفكير، و بفضل ذلك تمكن الانسان من التغلب على الطبيعة في كثير من الأحيان، لكن ذلك أن استطاع التخلص
من كل قيودها، الأكثر من ذلك فقد و جد نفسه محاطا بمجموعة من القيود التي صنعها
بنفسه، فأصبح الوضع الانساني معلقا بين الضرورة و الحرية، بين القدرة على الفعل و
الخضوع لشروط مسبقة، هذه المفارقة أثارت إشكالية الشخص بين
الضرورة و الحرية في
مجال الفكر الفلسفي، بإفرازها لمجموعة من التساؤلات:
![]() |
source: pixabay |
ما معني الضرورة؟ و معنى الحرية؟
هل الشخص ذات حرة أم خاضعة؟
إذا كان الشخص حرا، فأين تتجلى حريته؟ و ما
طبعتها؟
إذا كان الشخص خاضعا، فما طبيعة الإكراهات
التي تقيده؟ هل يخضع الشخص لإكراهات طبيعة أم نفسية أم اجتماعية؟ أم يخضع لها
جميعها؟
تحليل نص سيجموند فرويد
المفاهيم الأساسية:
الأنا: الذات المفكرة أو الواعية.
الهو: يحيل الى الميولات و الرغبات و الغرائز
الفطرية المكبوتة، نظرا لكونها تتعارض مع مبدأ الواقع ( الميولات الجنسية ).
الانا الأعلى: مجموع القيم و المبادئ
الاجتماعية المكتسبة عن طريق التنشئة الاجتماعية.
الطاقة الليبيدية: طاقة نفسية ناتجة عن
الميولات الجنسية المكبوتة.
مضامين النص:
الأنا ليس سيد نفسه، بل خاضع لمكونات الجهاز
النفسي و العالم الخارجي.
الانا يجد نفسه تحت ضغط يأتيه من ثلاث أطراف
مطالبها متعارضة تماما: الهو، الأنا الأعلى و العالم الخارجي.
الأنا يحاول التوفيق بين مطالب الهو و العالم
الخارجي، و يلجأ تارة الى الدهاء الديبلوماسي و تارة أخرى الى توليد الكبح.
الأنا الأعلى يراقب الأنا في أداء مهمته، فإن
أخطأ عاقبه بفرض مشاعر الإحساس بالذنب و الدونية.
هذا الصراع النفسي يجعل الانسان يحس يقر
بصعوبة الحياة.
أطروحة فرويد:
يرى فرويد طبقا لمرجعيته السيكولوجية، أن
الشخص كائن عير حر، بل تتحكم فيه ثلاث قوى ذات مطالب مختلفة و متعارضة ( الأنا،
الهو، الأنا الأعلى)، فالشخص محكوم من جهة أولى من طرف الأنا الذي يفرض عليه
التصرف وفق مبدأ الواقع، و محكوم من جهة ثانية من طرف الهو الذي يفرض عليه اشباع
الرغبات والميولات المكبوتة، و من أخرى من طرف الأنا الأعلى الذي يفرض عليه التصرف
وفق القيم و القواعد الأخلاقية و الدينية، بهدف تحقيق الانسجام مع المجتمع.
إن أفعال الانسان وسلوكاته حسب منظور التحليل
النفسي، نتيجة لهذا الصراع النفسي اللاشعوري، الذي يشكل ضغطا داخليا يستحيل التخلص
منه.
قيمة الأطروحة:
كشفت نظرية التحليل النفسي عن إكراهات من طبيعة خاصة، فكانت سمتها الأساسية
مستمدة من اللاشعور، و هذا فيه إغناء تجديد للفكر الفلسفي، إلا أنها واجهت موجة من
الانتقادات، لكونها قد تجاهلت الإكراهات الاجتماعية و السياسية...
تجاوزا لهذا الطرح، ألا يمكن القول بأن الشخص
ذات حرة؟
تصور جون بول سارتر
على
النقيض من الأطروحة السابقة التي نظرت الى الشخص ككائن مشروط و مقيد بقيود نفسية،
يؤكد رائد الفلسفة الوجودية جون بول سارتر على أن الشخص كائن حر قادر على اختيار
مساره بمفرده، و ما الشروط إلا حواجز قابلة للتجاوز، لأن الانسان بإمكانه الإلقاء
بنفسه و تخطي هذه الإكراهات، فهو مشروع دائم التحقق.
خلاصة تركيبية
من الواضح أن إشكالية الشخص بين الضرورة و
الحرية قد أثارت جدالا فكريا قويا، مما أدى الى وجود أراء و تصورات متباينة و
متعارضة، وهذا يبين مدى صعوبة هذه الإشكالية و تعقيدها، كما أنه يكشف عن غنى الفكر
الفلسفي و قبوله للاختلاف.
جميل
ردحذف